فوج الفرسان الشركسي

فوج الفرسان الشركسي

توجهت السلطة القيصرية بعد إتمام احتلال القفقاس وانتهاء الحروب الروسية-الشركسية في العام 1864 إلى محاولات اخماد الانتفاضات التي قام بها الشراكسة، رغم تلاشي اعدادهم بعد تهجير النسبة الأكبر منهم إلى الدولة العثمانية، وبالتوازي مع قمع الحركات المتمردة عمدت إلى تنفيذ سياسة أخرى تعتمد على استغلال إحدى أبرز النقاط التي تميز النظام الاجتماعي الشركسي ألا وهي التربية الأرستقراطية العسكرية التي حكمته لسنوات طويلة، ولذلك و خوفًا من استرداد الشعب الشركسي لهذه الميزة قامت باحتواء وصهر وصقل هذه الطبيعية العسكرية للشعب الشركسي في بوتقة المجتمع الروسي من خلال تجنيد عدد من أبنائه في الجيش القيصري الروسي وكانت بداية في الحرب الروسية-اليابانية (1904-1905) والتي شهدت اول مشاركة فاعلة من قبل الشراكسة ضمن صفوف الجيش الروسي القيصري ونظرًا للشجاعة والقدرة القتالية العالية التي اظهرها المجندين الشراكسة بدأت تتبلور فكرة تشكيل قوة عسكرية في الجيش القيصري تكون معنية بالمهام الخاصة الصعبة أي ما يعرف حاليًا بأسم: القوات الخاصة، ولذلك و مع بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 عادت فكرة الاستعانة بالقوة العسكرية الشركسية لأذهان صانع القرار القيصري حيث امتلك الشركس ترتيبًا للقطع العسكرية و تسلسلًا في الرتب يماثل تلك التي ظهرت لاحقًا في الجيوش النظامية فمثلًا كان هناك تقسيمات مثل:

١- واردة: قطعة عسكرية كبيرة/уардэ (فرقة عسكرية)

٢- واردة تيت: قائد القطعة العسكرية الكبيرة/Уардэтет (قائد فرقة)

٣- غوارتة: قطعة عسكرية متوسطة/Гуартэ (كتيبة)

٤- غوارتة تيت: قائد كتيبة/Гуартэтет

٥- ماردة: سرية/мардэ

٦- ماردة تيت: قائد سرية/Мардэтет

ولهذا شُكل بموجب المرسوم القيصري بتاريخ 23/8/1914 قوة عسكرية تحت اسم وحدة سلاح الفرسان الوطنية ولقبت بـ"الفرقة الضارية" مكونة من أبناء قوميات شمال القفقاس الأصلية واختير الاسم للدلالة على شراسة وشدة بأس منتسبي هذه الفرقة والتي قسمت إلى ستة أفواج يتكون كل فوج من أربعمائة مقاتل وتمثلت بالقوميات التالية: الشركسية (الاديغية)، القبردية، الداغستانية، الشيشانية، التترية (من سكان أذربيجان)، الانغوشية.

أبرز هذه الأفواج كان فوج الفرسان الشركسي، والذي ضم أربعمائة فارس مقسمون على مائة فارس من الأديغة سكان مقاطعة إيكاترينودار (كراسنودارحاليًا)، ومائة فارس من مقاطعة مايكوب ومائة فارس من الشركس والقرشاي والنغوي والابازة من مقاطعة باتالباشينسكي (مدينة تشركيسك حاليًا) والمائة الأخيرة من الفرسان من الابخاز و يُلاحظ انه تم تسمية الفوج تحت اسم "الشركسي" نظرًا لكون بقية القوميات المذكورة كانت تعتبر خاضعة للشراكسة قبل الاحتلال الروسي القيصري للقفقاس.

تم تحديد زي عسكري خاص بهذا الفوج الذي تزايد عدده في السنوات التي تلت تأسيسه حيث شارك في معارك الحرب العالمية الأولى كأحد قطاعات الجيش الروسي القيصري وأظهر شجاعة قتالية ومهارة عالية حيث تصدر الهجوم على مدينة ستانيسلاف عام 1915، والاستيلاء على قرية تسو المحصنة، ومشاركته الفاعلة في معارك دفاعية وهجومية على بروت ودنيستر 1915، واقتحام بروسلافيا 1916، وتدمير خط الدفاع في رومانيا 1916-1917، واختراق المواقع النمساوية بالقرب من ستانيسلاف 1917)، وتغطية الانسحاب الجماعي للقوات الروسية 1917، و لذلك تم تقليد فرسان الفوج جوائز مع أوسمة القديس جورج والميداليات، بل تم استصدار عدد من الأوسمة الخاصة بالفوج الشركسي.

بعد الثورة البلشفية وتحديدًا العام 1918 تم تغيير اسم الفوج إلى فوج الفرسان الشركسي الأول وأصبح جزءًا من فرقة الفرسان الأولى في جيش المتطوعين حيث لم يؤيد قائد الفوج الشركسي سلطان جيري عام 1918 والذي اضطر بعد نجاح البلاشفة في الاستيلاء على الحكم إلى الهجرة الى اوروبا قبل ان يتم تسليمه للسوفيت من قبل قوات الحلفاء و تم محاكمته واعدامه في العام 1945.

شَكل الفوج الشركسي مفهومًا جديدًا يضاف إلى تاريخ العلاقة المعقدة بين الشعب الشركسي والدولة الروسية والتي أصبح لزامًا علينا في الوقت الحاضر إعادة تفسير ودراسة هذه العلاقة وترتيبها بالشكل الذي يخدم المصلحة الشركسية مؤكدًا على الدور الكبير الذي لعبه فوج الفرسان الشركسي في وضع الشعب الشركسي على خارطة توزيع المكتسبات في الدولة الروسية وخروجه من وضعية الشعب المحتل والضحية إلى لاعب فاعل وهام في المنظومة الداخلية لهذه الدولة الروسية وفق الامكانيات والقدرات المتاحة للشعب الشركسي، بدلًا من انتظار تحرك الآخرين لانصافه او ترسيخ لغة الشكوى التي لا تجدي نفعًا في نفوس ابنائه، إن العمل على افتراض البحث عن القوة حتى و ان كان ضمن فضاء الدولة الروسية سيعمل على إمتلاك للقوة المناسبة التي يمكن له استخدامها في اللحظة المناسبة والقضية الشيشانية مثال على ذلك.

الدكتور علي كشت

المراجع:

١- اشمز، كازبيك، الفوج الشركسي في معارك روسيا، ورقة بحثية، 2017، جامعة مايكوب.

٢- تاريخ وعلم الآثار والإثنوغرافيا في القوقاز 2020، معهد التاريخ والآثار والاثنوغرافيا - مركز داغستان للابحاث العلمية.