بمناسبة الذكرى 242 لمعركة السبع شهور (معركة النبلاء و الامراء)
- Dr Ali M. Kasht
- ١١ أكتوبر ٢٠٢١
- 5 دقائق قراءة
إن المصادر التي تحدثت عن هذه المعركة البطولية رغم نتائجها الكارثية كانت قليلة و قد لا تتعدى أصابع اليد الواحدة و يمكن اختصارها بقصيدة و بعض المقالات فقط لا غير حيث منعت القيصرية الروسية الكتابة و البحث في هذه المعركة خوفا من تعرف الأجيال الشركسية القادمة على الماضي المأساوي لها و ذات الأمر حدث في العهد الشيوعي الذي منع الكتابة فيها تحت عنوان الحفاظ على علاقات السلم بين أبناء الشعب السوفيتي الواحد.
تعتبر هذه المعركة من أطول المواجهات التي خاضها الشراكسة في القبردي و بصورة عامة فإن المعارك الحربية التي جرت فيها امتازت بالتنظيم فهي كانت بين دولة القبردي الشركسية المعترف بها والقيصرية الروسية و التي كانت تشكل هاجسًا مخيف لدى الروس نظرا للهيمنة و السطوة التي تمتع بها القبردي و تمكنهم من إخضاع شعوب أخرى تحت الحكم الشركسي و تأثيرهم الواضح على القفقاس ككل حتى كان يقال عن الشخص صاحب الرفعة و النبل بانه يتكلم مثل القبردي أو يمشي مثلهم.
في عام 1779 بدأ أمراء القبردي بالشكوى من تزايد أعمال الروس العدائية من خلال بناء القلاع و التحصينات و حرمان الشراكسة من مناطق نفوذهم بالإضافة إلى عامل خطير اخر تمثل بقيام القيصرية الروسية بدعم بعض الشخصيات الثانوية في المجتمع القبرديني بهدف زعزعته و بث بذور الفرقة و زعزعة الأمن و الاستقرار في الإمارة الشركسية و تحريض الفلاحين و العبيد على الثورة و دعمهم الدائم لذلك.
حاول حاكم إمارة القبردي الأمير الشركسي جانخوت تتارخان إيجاد حلول دبلوماسية مع الدولة الروسية لتجنب التصادم العسكري و التوصل إلى اتفاقية مثل تلك التي وقعت عام 1764 و نتج عنها التزام القيصرية الروسية بدفع تعويضات لإمارة القبردي الشركسية إلا أن جهوده باءت بالفشل بسبب اصرار عشاق الامبرطورة كاترينا الثانية و هم كثر على الدفع باتجاه التصعيد و الإخلال بالاتفاقيات و خرقها بطريقة همجية.
و عليه عقد اجتماع للخاسة «الحكومة الشركسية» لإمارة القبردي بتاريخ 29/3/1779 للتباحث في الوضع العام و ابلغ الأمير جانخوت تتارخان الامراء أعضاء المجلس بأن الخيار الدبلوماسي ما زال متعثرا و أنه يرغب بمزيد من الوقت للقيام بجهود إضافية إلا أن أعضاء الخاسة رفضوا ذلك و اكدوا ان الخيار العسكري لا بديل عنه وافق الأمير جانخوت على ذلك إلا أنه اعتذر عن قيادة العمليات العسكرية و طلب السماح له بالبقاء في الخطوط الخلفية.
بدأت عملية التعبئة العسكرية و حشد القوات و تم تعيين الأمير الشركسي ميسوست بامات (Мисост Боматов) قائدًا للقوات الشركسية التي تراوح عددها ما بين خمسة آلاف إلى سبعة آلاف (من الامراء و النبلاء اي نخبة قوات الامارة لم يشارك أحد من عامة الشعب) حسب المصادر.
و قسمت إلى ثلاث فرق :
الفرقة الاولى تولى قيادتها الأمير ميسوست بامات.
بينما تولى الأمير حمرزا قيتوقه (Хамурза Кайтукин) قيادة الثانية.
قاد الأمير قارموزا ميسوست (Карамурза Мисост) قيادة الفرقة الثالثة.
كما أسندت قيادة العمل الاستخباري للامير ايزبادوقوه قنيمات (Езбаздука Канаметова) و الذي نجح في تجنيد احد العملاء من التجار الأرمن العاملين مع القوات الروسية المدعو ارتيمي فاسكانيان (Артемия Васканяна) و الذي قام بإرسال معلومات استخبارية عن التحصينات الروسية كما نجح في التواصل مع بعض الزعماء الشيشان و اقناعهم بالمشاركة في المعركة من خلال التمويه على القوات الروسية.
وضعت خطة الهجوم الشركسي بدقة و تم تنفيذها في منتصف شهر ايار قام الشيشان الشجعان بالاغارة على عدد من المستوطنات الروسية في مناطق شرق مزدوك/مزدوق لجذب اهتمام القوات الروسية بينما قام العميل الأرمني بإعطاء إشارات الهجوم الشركسي من خلال انجاحه لتسلل عدد من المغاوير الشراكسة إلى الخطوط الخلفية للعدو لحرق اجزاء من المعسكرات و القلاع.
هاجم الشراكسة قلاع يكاترينوغراد ومارينسكايا دفعة واحدة و تمكنوا من إلحاق أضرار فادحة بها و استولوا على أكثر من خمسة آلاف رأس من الماشية و عادوا بهم إلى مواقعهم و لكنهم لم يتمكنوا من الاستيلاء على القلاع بسبب القوة النارية للمدافع الروسية إلا أن الهدف الأساسي تحقق من خلال الاغارة على القلاع المذكورة و استمرت الاشتباكات بين الطرفين.
بتاريخ 5 حزيران تم تحشيد الفرق الثلاثة الرئيسية لتنفيذ هجوم على معسكر الجنرال ياكوبي/يعقوبي نفسه و هو القائد المكلف بالتصدي للهجوم الشركسي و تم الإغارة على معسكره و من ثم اقتحام قلعة مارينسكايا و استمر القتال لمدة يومين متتاليين لم يتمكن الشراكسة من الاستيلاء على القلعة إلا أنهم تمكنوا من إلحاق خسائر فادحة بها رغم تلقيهم ايضا خسائر قاربت 120 فارس.
بتاريخ 10 حزيران شن فرسان القبردي هجوم منظم على قلعة بافلوفسك و نجحوا باقتحامها و قلبها راسا على عقب و بعدها تم مهاجمة حصن الكسندروفسك و لم ينجحوا في اقتحامه إلا أنهم استولوا على قطعان الماشية التي كانت تتبع المستوطنات الروسية المحيطة به.
بعد ذلك و نظرا لنجاحات الشراكسة في القبردي بمهاجمة القلاع و التحصينات الروسية طلبت الأمبرطورة كاترين الثانية ضرورة سحق القوات الشركسية و لذلك وافقت على إرسال قوات إضافية و بالتالي توفر للجنرال ياكوبي قوات تتراوح ما بين الثلاثين الف إلى الخمسين الف مدعومة بالمدفعية و فرق القوزاق و عليه تمكن خلال أواخر شهر حزيران و تموز و أب و ايلول من شن هجوم معاكس ضخم على اراضي القبردي في منطقة الجبال الخمسة و تمكن من تدمير قرية بسة خوابه الشركسية و ما حولها من قرى (قبردي الكبرى) و شن هجوم كاسح في منطقة الجلاخستانيه (قبردي الصغرى) معتمدا على خطة عسكرية تقوم على الاندفاع بقوات كبيرة في عدة محاور في وقت واحد و التراجع إلى التحصينات و القلاع الروسية لصد الهجمات الشركسية المضادة حيث نجح فعلا إلحاق خسائر بقوات إمارة القبردي وانهاكها بحيث لم تعد تتمكن من التواصل مع بعضها البعض بالشكل المطلوب و أصبحت تعاني من نقص في العدد و العتاد.
بتاريخ 10/10/1779 و تحديدا بمنطقة (Къетыкъуэ ТIуащIэ) في القبردي تجمع فرسان الشراكسة من أجل القيام بهجوم ليلي مباغت لقتل الجنرال ياكوبي إلا أن معسكر الشراكسة تفاجئ بهجوم مدفعي روسي كثيف فقد تبين اكتشاف القوات الروسية من خلال فرق الاستطلاع للخطة الشركسية الذين سقطوا تحت حمم القذائف المدفعية و التي كان الروس يصرون على استمرار القصف بغية تمزيق جثث الشهداء من فرسان القبردي و تحويلها إلى اشلاء انتقاما منهم الامر الذي دفع من تبقى من القوات الشركسية للقيام بهجوم يأس أخير نجحوا فيه في دفع القوات الروسية للتراجع و تمكنوا من سحب جثامين الشهداء من أرض المعركة.
استمرت سياسة الارض المحروقة و تدمير القرى الشركسية من قبل القوات الروسية لغاية شهر تشرين الثاني حيث اضطرت إمارة القبردي لتوقيع على اتفاقية جديدة بشروط و حدود روسية قاسية حيث منعت إمارة القبردي من إقامة أية علاقات خارجية حتى مع قبائل غرب شركيسيا و الشيشان و اعطي العبيد و الفلاحين الحق في ترك مناطق الامراء دون شرط او قيد كما تم فرض قيادة موالية للقيصرية الروسية و سمح للشعوب التي كانت تخضع للحكم الشركسي في منطقة القبردي بالخروج عنها باختصار دمرت منظومة المجتمع الشركسي في القبردي الذي كان يتسم بالتنظيم و مسحت معالم إمارة الدولة إلا أن الشراكسة في القبردي استمروا بالمقاومة الفعلية لغاية عام 1825 قبل أن تتحول المقاومة في القبردي إلى حرب عصابات لغاية العام 1840.
لقد نالت قدرة فرسان القبردي على الإغارة على الخط العسكري الروسي و اقتحام قلاعه المحصنة إعجاب و احترام الخبراء العسكريين الروس إلا أن هذه الشجاعة لم تكن كافية للفوز بمعركة تضاريسها تقع في اراضي مكشوفة حيث لا جبال و لا ادغال و لا قلاع للشراكسة سوى شجاعتهم فقط لا غير لقد سطر القبردي معركة ملحمية بكل معنى الكلمة اثبتوا فيها ان الزعامة الشركسية للقفقاس لم تأتي من فراغ بل كانوا أسياد البلاد قاتلوا لوحدهم لأكثر من 62 من عمر الحرب الروسية الشركسية دون مساعدة من اي احد سواء القريب أو البعيد نظر الجميع إلى إمارة القبردي الشركسية و هي تقاتل لوحدها.
لقد سقط الآلاف الشهداء في معركة الشهور السبعة و يكفي أن نقول بأن من بقي على قيد الحياة من الفرق الشركسية اقل من الف فارس من مجموع سبعة آلاف و ما يزال أبناء الشعب يذكرون الابطال من الامراء و القادة الذين قضوا نحبهم في هذه المعركة غير المتكافئة امثال :
قائد الفرقة الثانية الامير حمرزا قيتوقة و ابنه اسماعيل و حفيده عادل جيري
الأمير قارموزا ميسوست قائد الفرقة الثالثة
الأمير كورغوقوة حتخشوقوة /ليس بطل معركة قنجال
الأمير ميسوست حتخشوقوة
الأمير كورجوكو كارامورزوف
الأمير بيسلان خمورزوف
الأمير خمورزا كوروتكي
الأمير كانشوكو كونديتوف
الامراء الأشقاء كارامورزا وكاسي تامبييف
من تقرير الجنرال فابريتسيان: "استمر القتال تحت القصف الشديد من قبل القوات الروسية من الواحدة فجرا و لغاية الساعة الثانية عشرة ظهرا على رغم من التفوق الناري الواضح الا ان الشراكسة استمروا بالمقاومة بعناد كبير وبالتالي كان انتصارًا رائعًا لجيشنا واضحًا للعيان قاتلوا حتى اخر رجل موقع معسكرهم و ما حوله و على طول مجرى نهر مالكا صعودًا وهبوطًا كان قد تغطى بجثثهم ، حيث سقط جميع قادتهم النبلاء والسبب الوحيد هو أنهم لا يريدون أن يؤخذوا في الأسر".
في وقتنا الحالي أعاد عدد من شباب الشركسي القومي في القبردي إحياء ذكرى هذه المعركة و وضعوا نصب تذكاري لها رغم معارضة السلطات لذلك كما تمكنوا من إعادة إحياء الأغنية أو القصيدة التي تتحدث عن هذه المعركة بعنوان هجوم فرسان القبردي و مرفقه بطيه علما بانه تم اليوم احياء ذكرى هذه المعركة المأساوية.
الدكتور علي محمد كشت
Comments